منتدى حفظة القرآن الكريم
هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Post-126284-1275673149
منتدى حفظة القرآن الكريم
هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Post-126284-1275673149
منتدى حفظة القرآن الكريم
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول
بحـث
 
 

نتائج البحث
 
Rechercher بحث متقدم
مواضيع مماثلة
    المواضيع الأخيرة
    » تعلم الاسبانية لمن يهمه الامر
    هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Emptyالأحد مارس 06, 2011 12:56 pm من طرف danial45

    » انا العروس
    هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Emptyالثلاثاء مارس 01, 2011 7:49 pm من طرف خوخة عمر

    » " لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حُمُرِ النَّعَم "
    هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Emptyالثلاثاء مارس 01, 2011 7:48 pm من طرف خوخة عمر

    » موقع لبرامج النقال الاسلامية
    هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Emptyالثلاثاء مارس 01, 2011 7:38 pm من طرف خوخة عمر

    » حديث المرء مع من احب
    هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Emptyالثلاثاء مارس 01, 2011 7:29 pm من طرف خوخة عمر

    » الترحيب بالعضو الجديد: أحمد موسى
    هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Emptyالإثنين فبراير 28, 2011 2:09 pm من طرف danial45

    » توقيعات من ذهب
    هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Emptyالأحد فبراير 20, 2011 3:47 pm من طرف زهرة

    » جمعة الرحيل
    هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Emptyالسبت فبراير 12, 2011 10:15 am من طرف danial45

    »  الفـــيد نــاقل لــ المصارعة الحرة
    هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Emptyالجمعة فبراير 11, 2011 8:04 pm من طرف danial45

    نرجو منك ان تشاركنا بآراءك
    إغلاق النافذة ضيفنا الكريم
    حللت أهلاً .. ووطئت سهلاً ..
    أهلاً بك بين اخوانك واخواتك
    آملين أن تلقى المتعة والفائدة معنا
    .:: حيـاك الله ::.



     

     هكذا ظهر جيل صلاح الدين

    اذهب الى الأسفل 
    كاتب الموضوعرسالة
    زهرة
    عضو نشط
    عضو نشط



    انثى عدد المساهمات : 72
    السٌّمعَة : 0
    تاريخ التسجيل : 18/07/2010
    العمر : 43
    الموقع : وادي سوف الجزائر

    هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Empty
    مُساهمةموضوع: هكذا ظهر جيل صلاح الدين    هكذا ظهر جيل صلاح الدين  Emptyالأربعاء أغسطس 04, 2010 11:57 am

    " حين تناقش التحديات والأخطار التي تواجه المسلمين اليوم ، كثيراً ما يستشهد الباحثون والدعاة والمفكرون بانتصارات صلاح الدين، ليدللوا على أهمية الروح الإسلامية في مواجهة هذه التحديات والأخطار " ويخلص هؤلاء إلى أن ما تحتاجه الأمة في معاركها الداخلية والخارجية اليوم ، هو قائد مسلم ، يستلهم روح الجهاد ، ويعبّئ الصفوف ، ويعلن المعركة .
    وهذا فهم له خطورته لأسباب :
    أولها : أنه يصطدم بالقوانين القرآنية التي تقرر أن التغيير إلى الأفضل أو الأسوأ لا يحدث إلا إذا سبقه تغيير جماعي يقوم به القوم لا الأفراد ، لما بالأنفس من مفاهيم واتجاهات ، وأن آثار هذا التغيير تنعكس على ما بالقوم من أحوال سياسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية.
    والسبب الثاني : أن هذا الفهم يصرف الأنظار بعيداً عن الأمراض الحقيقية التي تنخر في جسم الأمة من داخل ، فتفرز فيها القابلية للتخلف والهزيمة ، ويشغلها بالأعراض الخارجية الناجمة عن تلك الأمراض .
    والسبب الثالث : هو أن هذا الفهم ينمي في نفوس القادة روح الفردية والانفراد بالتخطيط والتنفيذ ، ويزجّهم في صراع مع كل من يحاول المشاركة في الرأي أو العمل ، فينتهون إلى الفشل والإحباط . كما يستبعد هذا الفهم دور الأمة في المسؤولية ، ويشيع التواكل على القيادات وحدها ، في انتظار ظهور القائد المخلص .
    ويقول المؤلف : إن صلاح الدين لم يكن في بدايته سوى خامة من خامات جيل جديد مرّ في عملية تغيير غيّرت ما بأنفس القوم من أفكار وتصورات وقيم وتقاليد وعادات، ثم بوّأتهم أماكنهم التي تتناسب مع استعدادات كل فرد وقدراته النفسية والعقلية والجسدية، فانعكست آثار هذا التغيير على أحوالهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، وسدّدت ممارساتهم ، ووجّهت نشاطاتهم .
    والذين قادوا عملية التغيير هم أناس عاشوا قسوة الأحداث ، وتجرعوا مرارة التجارب والأخطاء والانحراف في الفكر والممارسات العملية ، وذاقوا حلاوة الإصابة ، وخلصوا من ذلك كله إلى تغيير ما بأنفسهم أولاً ، ثم إلى بلورة تصورات معينة ، واستراتيجية خاصة ، انتهت بهم إلى وجوب تكامل الميادين والتخصصات ، وإلى تضافر جميع الهيئات والجماعات. وبعد ذلك كله ، مضوا في تنفيذ هذه الاستراتيجية ، طبقاً لخطوات مرحلية متناسقة مقررة ، حتى انتهوا إلى الخطوة الأخيرة ، وهي إعلان التعبئة العامة ، وبدء الجهاد العسكري .
    وفيما يلي من أبواب الكتاب وفصوله ، سوف نرى كيف تربّى جيل صلاح الدين ، الذي حقق لأمتنا النصر على الأعداء الداخليين والخارجيين ، لأن للنصر أسبابه ومقوماته ، ولأن للنصر رجاله ، وليس كل الرجال مؤهلين لتحقيق النصر .
    في الباب الأول :
    التكوين الفكري للمجتمع الإسلامي قبيل الهجمات الصليبية
    يمهد المؤلف لفصول هذا الكتاب بتقرير أن الهزائم التي حلت بالمسلمين أمام هجمات الصليبيين كانت بعض نتائج ما كان يسود المجتمع المسلم من أفكار واتجاهات وقيم وعادات : " ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم " – الأنفال: 53 وحين نطبق هذا المبدأ على المجتمع الإسلامي في الفترة التي نتحدث عنها، نجد أن التكوين الفكري فيه اتصف بصفات سلبية تمثلت فيما يلي:
    التّعصب المذهبي الذي ركّز على الولاءات الضيقة، والصراعات الداخلية الفكرية والفقهية، ويؤدي إلى انغلاق التفكير وتضييق دائرة الاجتهاد، وتحويل القدرات إلى تسويغ ما أنجزه المجتهدون، واجترار آراء السابقين، والإعراض عن مباحث التزكية والأخلاق وعلوم الآخرة وتأهيل الدعاة والمصلحين...
    وبدلاً عن ذلك كلّه تشِيع أساليب المناظرة والجدل، وتفسُدُ الروابط الاجتماعية.
    ولا شك أن هذه الصورة كانت تدمي قلوب العارفين وهم يتذكرون الرابطة التي كانت تربط ابن حنبل والشافعي ، فقد بلغ من أخلاق ابن حنبل أنه كان يأخذ بركاب الشافعي إذا ركب .
    وكان من الآثار السلبية للصراع المذهبي في ميادين السياسة ، أن تحولت أهداف العمل الإسلامي من السعي لتحكيم الإسلام ، إلى تحكيم رجال المذاهب أنفسهم ، ولذلك أصبحت السمة البارزة للنشاط السياسي لهذه المذاهب ، هي انتهاء أهداف العمل الإسلامي عند مشاركة زعماء المذهب في إدارات الدولة ، وفوزهم بمناصب القضاء والأوقاف والتعليم والحسبة وغيرها، الأمر الذي جعل رجال السياسة والحكم يستخفون بالمشايخ والوعّاظ .
    ونخلص من هذا كله ، إلى أنه لم تكن لدى الفكر الإسلامي والمؤسسات التي كانت تمثله، الأهداف والمفاهيم التي تتناسب والحاجات والتحديات القائمة …
    انقسام الصوفية وانحرافها :
    الأصل في التصوف أنه نشأ كمدارس تربوية – كالمدارس الفقهية- هدفها تزكية النفس وصقل الأخلاق. ولم تكن هذه المدارس تغلو في آرائها ، ولا تخرج عن قيد الشريعة في شيء، غير أن عوامل التطور عملت في هذه المدارس التربوية فطورتها إلى طرق ، كما تطورت المدارس الفقهية إلى مذاهب . وقد أصيب التصوف بالانقسام وانحراف بعض الطرق، كما أن الاضطراب الاجتماعي جعله يجنح إلى عزلة عن الحياة ، ويكتفي بالعمل على خلاص الفرد في الآخرة .
    وقد نشبت الخلافات بين الفقهاء والمتصوفة ، إلى جانب الفتن المذهبية، وانتشرت طوائف الجهلة والسطحيين لديهم، ممن كانوا يتلقون عن شيوخهم تلقياً حرفياً وشكلياً وتقليدياً لا طائل تحته .
    ويتحدث المؤلف في الفصل الثالث عن تحديات الفكر الباطني ، حيث ازدهرت الحركة الباطنية نتيجة للمذهبية والركود اللذين ضربا الفكر الإسلامي السني ومؤسساته ، ولن نتبين حجم التحدي الباطني في مجال العقيدة والفكر ، إلا إذا وقفنا على تعاليمهم التي جعلت لنصوص القرآن ظاهراً وباطناً يخرجان بها عن مضمون العقيدة الإسلامية .
    انتشر دعاة الباطنية في غرب العالم الإسلامي وشرقه ، واستطاعوا أن يفسدوا عقائد بعض الناس ، ويثيروا الفتن والقلاقل ، ويغتالوا الشخصيات التي تعارضهم ، فقتلوا مئات القادة والعلماء والسلاطين ، ونشروا الرعب في كل مكان .
    وفي الفصل الرابع يتحدث المؤلف عن تحديات الفلسفة والفلاسفة للعقيدة وفكرة النبوة والرسالة في الإسلام منذ القرن الرابع الهجري ، وارتبط هذا التحدي بأهداف سياسية رمت إلى إعادة القيادة للأرستقراطيات التي هزمها الفتح الإسلامي .
    وفي نهاية هذا الباب ، يمكن القول بأن التكوين الفكري والعقدي قد اتسم بأمرين :
    الأول جمود مؤسسات الفكر الإسلامي وتحولها عن رسالتها في ترشيد المجتمع الإسلامي وتوجيهه ، إلى مؤسسات مهنية أكاديمية ، اتسمت بالمذهبية والانقسام وانحراف مناهج التفكير عن الأصول القائمة في القرآن والسنة .
    والأمر الثاني : إفساح المجال للعقائد الفكرية والاتجاهات الثقافية التي تهاوت مؤسساتها أمام الفتح الإسلامي ، لتبرز في مظاهر جديدة تتلاءم مع المنعطف العقدي والحضاري الذي أحدثته مدارس الفكر الإسلامي في القرون الثلاثة الأولى .
    ² ² ²
    وفي الباب الثاني :
    آثار اضطرابات الحياة الفكرية في المجتمعات الإسلامية
    وهو يتحدّث عن الفترة التي سبقت الهجمات الصليبية، على تكوين هذه المجتمعات ، وعلى المبادئ والقيم التي كانت توجّه علاقات الأفراد والجماعات ، وتوجه سلوكهم ، ويلحظ افتقار هذه المجتمعات إلى المفاهيم الصائبة ، والقيادات الناضجة ، حتى سار الناس في حياتهم اليومية والعامة دون إرشاد صحيح ، واختفت الموازين الإسلامية ، وسيطرت الأهواء والشهوات . وقد أثّر هذا في سائر الميادين الحياتية فأفسدها ، وأضعف مقومات المجتمع في الداخل ومناعة المقاومة فيه ، وجعله عرضة للهزائم والنكسات .. وقد لاحظ المؤلف فساد الحياة الاقتصادية من خلال قيام وسائل الكسب على أسس غير مشروعة ، فالدولة تفننت في أنواع الضرائب والابتزاز ، حتى الحجاج كانوا يدفعون الكثير للبلد الذي يمرون فيه . وقد أثرى القائمون على أمور الإدارة إثراء يفوق التصور .. واقتفى الجند آثار الأمراء والوزراء فكانوا – إذا ما نشبت الفتن بين الأمراء والسلاطين والملوك – يستغلون الفرصة ، وينهبون المدن والمحلات التجارية والبيوت .
    وتفنن التجار في رفع الأسعار ، خاصة خلال ندرة الأقوات والحاجات ، فعانت الجماهير من ضروب الجوع مالا يمكن تصوره ولا تصديقه ، وتكاثرت المصائب والفقر والأمراض ، وأسهمت في إضعاف المجتمعات الإسلامية أمام الأخطار الخارجية ..
    وفسدت الحياة الاجتماعية نتيجة لانهيار وحدة العقيدة في الحياة الفكرية ، كما انهار مفهوم الأمة الإسلامية، وحلّت محلّه مفهومات العصبية والإقليمية والعشائرية والمذهبية ، وانصرف الناس إلى الانشغال بقضاياهم اليومية الصغيرة التي تدور حول الغذاء والكساء والمأوى والتنافس في التجارات واللهو وتلبية الشهوات ، وانتشر النفاق والوصولية ، وسقطت الأخلاق وانهارت القيم ، وصار الحديث عن المثل العليا أو القضايا العامة ، إما وسيلة ثقافية يتكسب بها الخطباء والوعاظ ، أو مثاليات وخيالات يستخف بها الكثيرون .
    ولقد وصف المؤرخ أبو شامة ناس تلك الفترة فقال :
    " كانوا كالجاهلية ، همة أحدهم بطنه وفرجه ، لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً ".
    ورافق هذا الفساد مضاعفات من اللهو والفساد الخلقي ، ترافق في العادة كل انحطاط في أي زمان ومكان ، فقد شاع الزنا وشرب الخمر ، وانتشرت الملاهي والجواري والمغنيات وما إلى ذلك من منكرات .
    وفي الفصل السابع تحدث المؤلف عن الانقسام السياسي ، إذ ظهرت دويلات في دمشق والموصل وسواهما ، واستمرت علاقات الشك والريبة والطمع تحكم تلك الدويلات التي دخلت فيما بينها في صراعات وحروب انعكست على الجماهير الذين كانوا يتعرضون للإيذاء والنهب والتفكك الاقتصادي والاجتماعي ، واستغل الصليبيون حالة الوهن والضعف هذه ، فأغاروا على البلاد ، وفتكوا بالعباد ، وكان أمراء بعض البلاد أكثر شراً من الصليبيين ، وكان هؤلاء طغاة وباطنيين ارتكبوا من الجرائم ما تقشعرّ له الأبدان .
    ويتناول الفصل الثامن حالة ضعف العالم الإسلامي أمام الهجمات الصليبية ودخول أميري حلب ودمشق في طاعة الصليبيين وأداء الجزية لهم ، وسقطت أنطاكية ثم بيت المقدس عام 492 هـ / 1098م واقترف الصليبيون المذابح الوحشية في كل مدينة أو قرية دخلوها ، وخاضت خيولهم بدماء الضحايا من الرجال والنساء والأطفال ، فيما كان السلاطين والأمراء لاهين في منازعاتهم وخصوماتهم ، وفيما كانت الجماهير مشغولة بشؤونها الصغيرة وقضاياها التافهة ، ولم تحركهم دماء أكثر من سبعين ألف شهيد من المجاورين والعلماء والطلاب والعباد والزهاد الذين فتك بهم الصليبيون في ساحة المسجد الأقصى .
    وفي الباب الثالث يتحدث الكاتب عن:
    (المرحلة الأولى لحركة التجديد والإصلاح)
    فيقول : " اشتدت الحاجة إلى تغيير الاتجاهات القائمة في المجتمع ، ومواجهة التحديات الزاحفة ، وصار العالم الإسلامي أمام مصيرين لا ثالث لهما : فإما أن يغير أوضاعه تغييراً جذرياً من داخله ، وإما أن يستسلم للتحديات التي تنذر بتدميره والإجهاز عليه .
    ولقد مرّت عملية التغيير بمرحلتين :
    الأولى اتخذت طابعاً سياسياً قادتها حكومة السلاجقة ، ووجهتها جماعة الشافعية .
    أما المرحلة الثانية فقد بدأت في ميدان القيم والمعتقدات ، واستمرت حتى بلغت مداها المطلوب في دحض المحتلين من الصليبيين ، ودفع تحديات الباطنية وتحرير المقدسات .
    ونجاح هذه المرحلة كان يتفق مع قوله تعالى : ] إنّ الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم [ وهذا ما يتفق مع قوانين قيام المجتمعات وانهيارها .. فالذي كان يحول دون ظهور القيادة الواحدة القوية ، هو بقاء القيادات الضعيفة المتعددة ، مقيدة بقيم الجاه الفردي ، والمكانة الاجتماعية ، والرغبة في الهيمنة والتصرف بالمقدرات العامة . والذي كان يحول دون ظهور أفكار الولاء للأمة الإسلامية الواحدة ، هو بقاء الجماعات مقيدة بأفكار الولاء للعائلية والإقليمية والمذهبية .. والذي كان يحول دون رسوخ فكرة التضحية ، هو حرص الأفراد على المكاسب والمتع الدنيوية .
    ولم يكن غريباً أن يبرز قادة التغيير من بين الفئات التي تعمل في ميدان العقيدة والفكر ، وتمتهن التعليم والإرشاد ، لأن هذه أفضل المحاضن التي ينمو فيها قادة التغيير ، بسبب المعاناة الفكرية والنفسية التي يلهبها الإحباط وعدم الرضى بالتصورات والممارسات القائمة ، ويدفعها إلى البحث عن أفكار أنضج ، وعن أساليب في العمل أفعل .
    لقد برز من بين الشافعية والحنابلة مدرستان فكريتان قادتا عملية الإصلاح والتجديد . الأولى : مدرسة الغزالي ، والثانية : مدرسة الشيخ عبد القادر الكيلاني . فقد نبذ كل من المدرستين الأهداف الدنيوية ، والعمل المذهبي ، وتلاحمت جهودهما معاً ، وتكاملت مع سائر المخلصين من المذاهب والجماعات الإسلامية الأخرى ، وتشكلت مدرسة فكرية تربوية تركزت أهدافها على إخراج جيل جديد من العلماء والموجهين والقادة والعاملين الذين تطابقت أهدافهم بدل أن تتنابذ وتتصارع وتختلف ، وكانت غاياتهم خالصة في سبيل الله ، ومتفقة مع روح الرسالة .
    في الفصل العاشر يتحدث الكاتب عن دور مدرسة أبي حامد الغزالي في الإصلاح، وعن المنهج الذي سار عليه، ويتمثل في ثلاث قواعد:
    الأولى: أن الأساس في وجود الأمة الإسلامية هو حمل رسالة الإسلام إلى العالم كله. وحين قعد المسلمون عن تبليغ الرسالة امتلأت الأرض بالفتنة والفساد، وصار الناس ضحايا هذا القعود.
    الثانية: البحث في أسباب قعود المسلمين عن أداء الرسالة من داخل أنفسهم .
    والثالثة: الغاية من بيان أسباب القعود يجب أن تستهدف التشخيص وتقديم العلاج ، لا أن تكون مجرد توترات سلبية تقوم على التلاوم وتبادل الاتهام .
    فالغزالي يعالج ( قابلية الهزيمة ) بدل التباكي على ( مظاهر الهزيمة ) لأن المشكلة في نظره إنما تكمن في فساد المحتويات الفكرية والنفسية عند المسلمين ، في أمور العقيدة والاجتماع وما سوى ذلك ؛ وهي مضاعفات تزول بزوال المرض الأساسي . فالغزالي لم يجعل منطلقه الأول هو البدء بالإصلاح الفكري والنفسي .. بدأ الغزالي هذا التغيير في خاصة نفسه أولاً ، ثم أخذ بتغيير ما بأنفس الآخرين ، واستمر أصحابه وتلامذته في تطبيق هذا المنهاج ، فكان من ثمار ذلك ، ظهور جيل نور الدين وصلاح الدين .
    شخّص الغزالي أمراض المجتمع الإسلامي في أيامه ، ورآها في فساد رسالة العلماء ، لأن الأطماع أخرست ألسنتهم وإن تكلموا لم تساعد أقوالَهم أحوالُهم فلم ينجحوا ، ولو صدقوا وقصدوا حقّ العلم لأفلحوا ، ففساد الرعايا بفساد الملوك ، وفساد الملوك بفساد العلماء ، وفساد العلماء باستيلاء حب المال والجاه عليهم ، ومن استولى عليه حبّ الدنيا لم يقدر على الحسبة على الأرذال ، فكيف على الملوك والأكابر ؟ وبيّن الغزالي الآثار المترتبة على فساد العلماء ، من بُعد عن قضايا المجتمع، وانشغال بقضايا هامشية لا طائل تحتها ، ومن تعصب مذهبي ، واختفاء الفضائل العلمية ، وانتشار الشكلية الدينية ، وتفتيت وحدة الأمة ، وظهور الجماعات والمذاهب ، وانتشار التدين السطحي الذي تمثل في فئة العلماء وأرباب العبادة والمتصوفة وأصحاب الأموال . وينتقد الغزالي سلبيات كل فئة من هؤلاء ، فالعلماء فقدوا صفة العالم المسلم الحقيقي ، وصار العلم عندهم وسيلة لأغراض شخصية ، والمتصوفة قد غلب عليهم الغرور ، واهتموا بالزيّ والهيئة والمنطق ، وأصحاب الأموال لم يعرفوا الحكمة الأساسية من المال ، ولم يفهموا أولويات الإنفاق ، فالحكمة من المال إرساء قواعد العدل الاجتماعي ، وإعانة الناس على التحرر من شواغل المعيشة التي تعطل عن العبادة ، أو تحيلها إلى صور لا روح فيها .
    وأفضل درجات القرب إلى الله هو سدّ حاجة المحتاجين إلى درجة الكفاية التامة ، وليس إلى درجة الكفاف ، حتى لو أدّى الأمر إلى الخروج عن أكثر المال الذي يملكه الغني ، ولكن المغرورين من أصحاب الأموال جانبوا هذا المبدأ ، وصاروا يستعملون المال في مظاهر من التدين الشكلي المرائي الذي لا معنى له .. والغزالي يفضّل سدّ حاجة الفقراء على بناء المساجد والحج وعلى النافل من الصلاة والصيام ، ويروي عن ابن عباس في تفسير الماعون: أنه كل ما يعين المسلم على التفرغ لدينه ، وهل يعين المسلم على التفرغ لدينه أكثر من سدّ شواغل المعيشة ومتطلباتها ؟ كما ينقل عن ابن مسعود قوله : في آخر الزمان يكثر الحاجّ بلا سبب ، يهون عليهم السفر ، ويُبسط لهم في الرزق ، ويرجعون محرومين مسلوبين ، يهوي بأحدهم بعيره بين المال والقفار ، وجاره مأسور إلى جنبه لا يواسيه .. ويتحدث الغزالي عن صنف البخلاء من الأغنياء ، الذين يشتغلون بالعبادات البدنية التي لا يُحتاج فيها إلى البذل والعطاء ، كصيام النهار وقيام الليل وختم القرآن ، وهؤلاء يحتاجون إلى التخلص من البخل أكثر من حاجتهم إلى الاشتغال بنوافل الصلاة والصيام . قيل لبشر : إن فلاناً الغني كثير الصوم والصلاة ، فقال : المسكين ترك حاله ودخل في حال غيره ، وإنما حال هذا : إطعام الطعام للجياع ، والإنفاق على المساكين، فهذا أفضل من تجويعه نفسه ، ومن صلاته لنفسه ، مع جمعه للدنيا ومنعه للفقراء .
    وبعد تشخيص أمراض المجتمع ، يتحدث المؤلف عن ميادين الإصلاح لدى الغزالي فيراها في العمل على إيجاد جيل جديد من العلماء، وعلى وضع منهاج جديد للتربية والتعليم لتخريج علماء آخرة لا علماء دنيا ، وإحياء رسالة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ونقد السلاطين الظلمة وتحريم التعامل معهم ، والدعوة إلى العدالة الاجتماعية، ومحاربة التيارات الفكرية المنحرفة.
    وهكذا مجّد الغزالي حركة الإصلاح التي تتابعت حلقاتها بعده ، حتى انتهت إلى دحر الصليبيين الغزاة ، واسترجاع الأرض والمقدسات منهم .
    ويتحدث المؤلف عن المدرسة القادرية ودور الشيخ عبد القادر الكيلاني في الإصلاح. فيذكر أن من آثار الغزالي ظهور نوع جديد من المدارس الفكرية التي تستلهم روح المنهاج الذي بلوره الغزالي في تطبيقاتها التربوية والتعليمية ، وتعمل بدأب وإخلاص لإخراج جيل جديد، ولمعالجة الأمراض التي ضربت المجتمع في سائر الميادين .
    وأهم هذه المدارس هي المدرسة القادرية التي أسسها وقاد نشاطاتها مدة نصف قرن ، شيخ الحنابلة آنذاك، الشيخ عبد القادر الكيلاني في بغداد أيضاً . فلقد تطورت هذه المدرسة ، وتسلمت زمام القيادة الفكرية والتوجيه والإرشاد ، وصار لها امتداداتها في العالم الإسلامي . وحينما قامت الدولة الزنكية ، تلاحمت معها ، وشاركت في تحمل مسؤولياتها في مجابهة التحديات القائمة . وتدل الأخبار المتعلقة بالمدرسة القادرية ، على أنها قامت بدور رئيس في إعداد جيل المواجهة ضدّ الخطر الصليبي في البلاد الشامية ، فقد كانت المدرسة تستقبل أبناء النازحين الذين فرّوا من وجه الاحتلال الصليبي ، ثم تقوم بإعدادهم ، ثم إعادتهم إلى مناطق المواجهة الدائرة تحت القيادة الزنكية .
    والدارس لمواعظ الشيخ عبد القادر يتبين أنه اعتمد في تشخيصه لأمراض عصره نفس المنطق الذي اعتمده الإمام الغزالي ، وهو اعتبار الأسباب الأساسية للفساد الذي ضرب المجتمع الإسلامي هو دوران العقيدة في فلك السياسة ، وخضوع العلماء للحكام ولشهوات الدنيا . وبهذا تحددت موضوعاته في انتقاد العلماء ، علماء السلاطين ، وانتقاد الحكام ، وانتقاد الأخلاق الاجتماعية من رياء ونفاق وظلم ودجل ، وفي الدعوة إلى إنصاف الفقراء والعامة ، وجعل الاهتمام بشؤونهم من شروط الإيمان .
    كما عمل الشيخ على تآلف جماعات السنة والتنسيق بينها ، فحارب الخصومات المذهبية، وسعى لإصلاح التصوف بتنقيته مما طرأ عليه من انحرافات أبعدته عن وظيفته الأصلية في التربية الروحية ، وغرس معاني التجرد الخالص والزهد الصحيح . وحمل الشيخ على المتطرفين من الصوفية ، ونسّق بين الطرق الصوفية ووحّد مشيخاتها ، وأخرجهم من عزلتهم ليسهموا في مواجهة التحديات التي تواجه العالم الإسلامي ، فقد توثقت الصلات بين نور الدين زنكي في دمشق ، والشيخ عبد القادر في بغداد ، ثم أعقب ذلك مباشرة تداعي الجماعات الصوفية للعمل مع نور الدين ، ثم مع صلاح الدين من بعده ، وأخذ مشايخ الطرق يقومون بمهمة التوجيه المعنوي للجهاد بطريقة فعالة .
    كما أن الشيخ عبد القادر تصدى للتطرف الباطني ، وللتيارات الفكرية المنحرفة ، وناقش عقائدهم بموضوعية ، وفضح الجذور اليهودية لبعض تلك الفرق .
    وفي الباب الرابع يتحدث المؤلف عن:
    انتشار حركة الإصلاح والتجديد والمدارس التي مثلتها
    إنّها تمثّلت في المدرستين: الغزالية والقادرية، فقد أنجبت جيلاً جديداُ تميز بتكوينه الفكري والنفسي، وفي سلوكه الخاص والعام، تطبيقاً لتعاليم الإسلام ومبادئه وأخلاقه، وحين انتشرت عناصر هذا الجيل في مؤسسات السياسة والجيش والتربية والاجتماع والاقتصاد في المنطقة التي ركزوا جهودهم فيها، برزت آثار سياساتهم وممارساتهم في مجابهة المشكلات والتحديات التي برزت على مسرح الحياة الإسلامية في الداخل، وفي مواجهة الأخطار التي أرهقت الأمة الإسلامية من خارج .
    وفي الفصل الثاني عشر يقول المؤلف عن قيام الدولة الزنكية وسياستها في الإصلاح والتجديد : منذ أيام نور الدين أصبحت دولة آل زنكي هذه كياناً التفّ حوله أصحاب الاتجاهات الإصلاحية ، وتلامذة المدرستين : الغزالية والقادرية ، وجعلوا منها دار هجرة تداعوا إليها من جميع الأقطار ، وفتحوا أبوابها لكل مخلص راغب في العمل في سبيل الله مهما تباينت مذاهبهم وانتماءاتهم ، ثم وزعوا الأدوار على الأشخاص والجماعات الذين قاموا بمهمة التنفيذ في حدود المفاهيم الإدارية السائدة آنذاك .
    وفي فترة نور الدين تميزت سياسة الدولة بإعداد الشعب إعداداً إسلامياً ، وتطهير الحياة الدينية والثقافية من التيارات الفكرية المنحرفة وصبغ الإدارة بالصبغة الإسلامية ، وشيوع العدل والتكافل الاجتماعي ، ونبذ الخصومات المذهبية ، وتعبئة القوى الإسلامية ، وتنسيق جهودها ضمن منهاج عمل موحد ، وقيادة متكاملة متعاونة . والعمل على ازدهار الحياة الاقتصادية ، وإقامة المنشآت والمرافق العامة ، وبناء القوة العسكرية ، والعناية بالصناعات الحربية ، والقضاء على الدويلات المتناثرة في بلاد الشام ، وتحقيق الوحدة الإسلامية بين الشام ومصر والجزيرة العربية .
    بعد هذا ، شرع نور الدين ينازل الصليبيين ويسترجع مقدسات المسلمين ، حتى استطاع استرجاع خمسين ونيفاً من المدن التي كان يحتلها الصليبيون .
    ثم عزم نور الدين على فتح بيت المقدس ، وأعدّ منبراً جديداً للمسجد الأقصى ، ولكن المنية وافته وهو في غمرة الاستعدادات عام 569 هـ / 1169 م فآل الأمر من بعده إلى كبير رجاله وواليه على مصر : صلاح الدين الأيوبي الذي مضى على طريق نور الدين ، لتحقيق الأهداف نفسها ، وراح ينازل الصليبيين هنا وهناك .. ثم مضى صلاح الدين يتقدم صفوف الجيل المسلم الجديد ، يزحف نحو القدس ، في جيش ضمّ الأمراء والعلماء والفقهاء والصوفية وسواهم من خُلّص المسلمين ، والتحم هؤلاء بالمحتلين يتدافعون للاستشهاد والجنة ، ثم دخلوا المدينة المقدسة مهللين مكبرين ، وتوجهت جموع المجاهدين إلى الأقصى المحرر ، ونظفوه من أوساخ المحتلين ، وفي أول جمعة فيه ، امتلأ الجامع ، وسالت لرقة القلوب المدامع .
    وفي الباب الخامس
    الآثار العامة لحركة الإصلاح والتجديد
    يتحدث عن الدولة الزنكيّة وسياساتها في الإصلاح والتّجديد، وإعداد الشّعب إعداداً إسلاميّاً وصبغ الدولة بالصبغة الإسلامية...
    وهكذا تبرز طبيعة الاستراتيجية التي عملت مدة نصف قرن ، هيأت المجتمع الإسلامي لمواجهة الأخطار المحيطة به ، هذه الاستراتيجية التي أبدعها نور الدين وصلاح الدين اللذان كانا طليعة جيل مرّ بعملية تغيير شاملة ، لها برامجها ومؤسساتها ورجالها ، تغيير ما ران على القلوب والعقول من أفكار وتصورات وقيم وعادات وتقاليد ، فتغيرت نتيجة لذلك ، اتجاهاتهم وممارساتهم وإداراتهم السياسية والعسكرية والاقتصادية ، وانتهى ذلك كله إلى إحلال الوحدة محل الفرقة ، والقوة محل الضعف ، والاستقرار بدل الاضطراب ، والشعور بالمسؤولية بدل الأنانية ، والانتصار بدل الهزائم .
    بعد أن حرر مؤلف الكتاب الدكتور ماجد عرسان الكيلاني تسعة عشر فصلاً من كتابه القيّم ، حرر الفصل العشرين ، وهو عبارة عن ملاحظات وخاتمة ، كثّف فيها آراءه التي خلص بها من دراسته العميقة للمجتمع الإسلامي قبيل الهجمات الصليبية ، وفي أثنائها ، ودور المدرسة الفكرية في مساندتها المدرسة السياسية التطبيقية الجهادية التي تمثلت في الدولة الزنكية ، ووارثها القائد المجاهد صلاح الدين الأيوبي ، موحّد بلاد الشام والجزيرة والموصل ومصر ، ومحرر القدس .
    وفي الباب السادس
    قوانين تاريخية وتطبيقات معاصرة
    وقد صاغ آراءه في قوانين اجتماعية "تحكم الأحداث والظواهر، وتوجّهها الوجهة التي يقتضيها منطق القانون " ويرى المؤلف أن " الذين يتقنون فقه هذه القوانين وتطبيقها ، هم الذين يستمرون في الحياة ، ويتفوقون في ميادينها . وهذا يعني أن الأمة التي يتولى زمام أمورها (فقهاء) يفقهون قوانين بناء المجتمعات وانهيارها ، ويحسنون تطبيق هذه القوانين ، فإنهم يقودون أممهم إلى التقدم والنصر لا محالة .
    أما الأمة التي يتولى زمام أمورها ( خطباء ) يحسنون التلاعب بالمشاعر والعواطف ، فإنها تظل تتلهى بالأماني التي يحركها هؤلاء الخطباء ، حتى إذا جابهت التحديات ، لم يفقهوا ما يصنعون ، وآل أمرهم إلى الفشل ، وأحلّوا قومهم دار البوار ".
    ويستشهد المؤلف بمعركة بدر ، وكيف تغلب فقه الرسول e ،على خطابة أبي جهل الذي لم يفقه هو وصحبُه المشركون قوانين تكوين الأمم، ولا قوانين تعبئة القدرات ، ولا قوانين النصر والتفوق ، فيما كان الرسول النبي e يعي ويفقه كل هذا .
    كما استشهد المؤلف بما جرى في حرب حزيران 1967 عندما طبّقتْ إسرائيل جانباً من استراتيجية الرسول، فأوجدت لشعبها (مثلاً أعلى) يضحّون من أجله، ثم وحّدت صفوفهم، وأحسنت إعدادهم والانتفاع بقدراتهم، كما أحسنت الانتفاع من جغرافية المعركة، وقوانين التعبئة، وفي المقابل، طبق العرب ارتجالية أبي جهل، فحرموا أمتهم من المثل الأعلى، وألقوا خطباً نارية ، وكانت نتيجة حرب حزيران كنتيجة معركة بدر ، مع تغيير المواقع لصالح إسرائيل .
    وقد حدد المؤلف هدفه مما كتب في هذا الكتاب بقوله :
    " نريد من هذا البحث أن يكون سبباً يلفت الانتباه إلى ضرورة وجود ( فقهاء في الاجتماع البشري ) يحسنون اكتشاف القوانين التي تخضع لها المجتمعات الإسلامية ، ثم النظر في كيفية تأثير هذه القوانين إيجاباً وسلباً "
    ثم يشرع المؤلف في شرح قوانينه، فيقول :
    " إن صحة المجتمعات ومرضها ، أساسُهما صحةُ الفكر ومرضه ، وهو ما تضمّنه قوله تعالى : ] إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم [ وقوله تعالى : ] ذلك بأن الله لم يك مغيراً نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم [ .
    ويقول: " كل مجتمع يتكون من ثلاثة عناصر رئيسة ، هي : الأفكار والأشخاص والأشياء "
    " ويكون المجتمع في أعلى درجات الصحة ، حين يكون الولاء للأفكار هو المحور ، بينما يدور الأشخاص والأشياء في فلك الأفكار ، وفي هذه الحالة يتسلم مركز القيادة الأذكياء الذين يحسنون مجابهة التحديات ، واتخاذ القرارات في الداخل والخارج ، ويتسم منهج التفكير والفهم بالعمق والشمول ، وتدور اهتمامات الأفراد والجماعات حول القضايا العامة الكبرى ، وحول التحديات الخارجية ، وما تتطلبه من تضحيات ، وما تستدعيه من إعداد واستعدادات .
    وحين يكون الولاء للأشخاص هو المحور ، وتدور الأفكار والأشياء في فلك الأشخاص ، فإن السمة الغالبة للمجتمع تصبح هيمنة محبّي الجاه والنفوذ وأصحاب القوة الذين يسخّرون الأفكار والأشياء لمصالحهم الشخصية ، أو لطوائفهم ، أو لعشائرهم ، أو لإقليمهم أو لحزبهم .
    ويتصف هذا التفكير بالضحالة والانغلاق ، ولا يهتمّ أصحابه بالقضايا الكبرى ، ولا يحسّون بالتحديات الداخلية والخارجية .
    أما حين يصبح الولاء للأشياء ، فإن الهيمنة تكون لأرباب المال والتجارات وصانعي الشهوات ، وتسود ثقافة الترف والاستهلاك ، وتتمزق شبكة العلاقات الاجتماعية ، وتصبح الأفكار والقيم بعض السلع الاستهلاكية ، ويتوقف التفكير والفهم ، وينشغل الناس بأشيائهم وحاجاتهم اليومية ، همّة الواحد منهم لا تتعدّى بطنه وفرجه ، لا يعرف معروفاً ، ولا ينكر منكراً ، وهنا يلفظ المجتمع أنفاسه ويموت ، وتتقدم إحدى الجماعات البشرية الأخرى ، لتعلن نبأ الوفاة ، وتقوم بمراسم الدفن .
    ويضرب المؤلف مَثَلَ الولاء للفكرة ، بعصر النبوة ، وبعصر الراشدين ، ثم كان المنعطف بعد عهد الراشدين ، حين بدأ رجال السياسة يعملون لتطويع رجال الفكر والشورى ، لتسويغ ولاءاتهم للأشخاص ، ثم جاء الولاء للأشياء ، وتنافس الناس في جمع الثروات ، وصارت منازلهم وعلاقاتهم تتحدد طبقاً لتلك الأشياء ، وسقط المجتمع الإسلامي في وهدات الأمراض .
    ويقول: " مع أن الدين الإسلامي هو سبيل البشرية إلى الحياة الراشدة الهانئة في الدنيا والآخرة –إلا أن الإسلام لا يقود إلى هذا النوع من الحياة ، إلا إذا جرت خطوات عرضه وتطبيقه حسب نظام خاص ، وترتيب معين . كأنْ يبدأ التركيز على غرس العقيدة ، وإشاعة الفضائل الإسلامية ، قبل تطبيق الحدود والشرائع ، وأن يجري تطبيق هذه الفضائل في حياة الداعين إليها ، قبل أن يطالبوا غيرهم بها " كما فعل أبو حامد الغزالي والشيخ عبد القادر الكيلاني اللذان صححا مسار الإصلاح ، ومارسا خطواته بترتيبها الصحيح ، بعد أن غيّرا ما بأنفسهما من تصورات وأفكار ، وكما فعل الذين تولّوا أزّمة السياسة والإدارة من جيل نور الدين وصلاح الدين ، أولئك الذين سلكوا مسلك أشياخهم من أمثال الغزالي والشيخ عبد القادر، في الزهد ، والتواضع ، والتقلل من متاع الدنيا ، وفي التفاني لخدمة الدين ، والحرص على وحدة المسلمين ، والتهيّؤ لحمل رسالة الأمر بالمعروف ، والنهي عن المنكر .
    ويقول: " مع أن الدين هو أساس قيام الحضارات ، لأنه يقدم (المثل الأعلى) الذي يتمركز حوله النشاط ، ويرتقي بالنفوس فوق التلهّي بالحاجات اليومية الصغيرة التي تدور حول الغذاء والكساء والمأوى –إلا أن الدين لا يؤدي هذا الدور الحضاري ، إلا إذا تولى (فقه) الدين (أولو الألباب) من كل جيل وأمة "
    وأولو الألباب هم الأذكياء والمتفوقون منذ عهد الفتوة وطلب العلم، ولعل من أهم الأسباب التي أدت إلى تخلف المسلمين ، تراجع أولي الألباب ، وتقدم المتخلفين عقلياً وسلوكياً، وتسلمّهم أزمّة الأمور ، ثم عملهم على تهجير أصحاب العقول والكفايات ، مما أدى إلى سقوط العالم الإسلامي المعاصر فريسة الأمراض المادية والمعنوية من الداخل، وفريسة الغزو الحضاري والعسكري من الخارج ، حتى صارت إدارة الأمور أسوأ مما كانت عليه ، يوم كان يتولاها مخاتير القرى وشيوخ العشائر ، وانحدرت المشروعات الزراعية والعمرانية عما كانت عليه ، يوم كان يتولاها الفلاحون والمهنيون البسطاء ، ويستعملون تكنولوجيا المحراث الخشبي والبقر ، كما انتكست الحياة الاجتماعية ، وضاع الدين والأخلاق والقيم .
    " ولقد أثبت التاريخ والاجتماع الإنساني أن الفضائل البشرية توجد مجتمعة ، والرذائل توجد مجتمعة كذلك . فالتدين الصحيح لا يوجد إلا مع العقل النيّر ، والإخلاصُ في العمل ، وإتقانه لا يوجدان إلا مع اللبّ المبدع ، والترفع عن الشهوات لا يوجد إلا مع البصيرة الخارقة، والرغبة في الرفعة ، والنفور من الذل والمهانة لا يوجدان إلا مع الذكاء الرفيع . وهكذا .. والتوجه القرآني في كل دعوة إلى الخير ، أو حضّ على العمل الصالح ، إنما هو لأولي الألباب " .
    ويقول: "إن قوة المجتمعات، إنما يحققها تكامل الفكر والسياسة، وتلاحم جهود الممثلين لكل منهما ، طبقاً لقاعدة معينة، خلاصتها: أن السياسة تدور في فلك الفكر. وحين تنعكس هذه القاعدة، تبدأ الحضارات في التخلف، والمجتمعات في الضعف، حتى تؤول إلى الانحطاط والانهيار"
    " وقد قامت جميع الحضارات ودعوات الإصلاح – كالدعوة الإسلامية الأولى – على أساس فكري لا سياسي . ولذلك ، فإن أوائل المقبلين على هذه الدعوة يكونون من أولي الألباب ، أو الأذكياء الذين ترقى عقولهم إلى تذوّق الأفكار ، وإلى الإحاطة بما تحتويه من حقائق رفيعة . ولذلك يتفانون في حبها ، والتضحية في سبيلها . وحين تنجح هذه الدعوة في إقامة مجتمعها الحضاري ، يتولى المثاليون من أولي الألباب قيادة المجتمع ، وينقسمون إلى قسمين : المفكرون الذين يتسلمون مركز الإرشاد والتوجيه ، أو القيادة الفكرية ، ورجال السياسة والإدارة الذين يتسلمون المركز الثاني ، وهو تطبيق الأفكار ، أو (الفقه) الذي يفرزه رجال القيادة الفكرية "
    " وفي العصر الإسلامي ، حين تضافر عمل القيادة الفكرية والقيادة السياسية ، ودارت السياسة في فلك الفكر ، كان نجاح الفتح الإسلامي المعجز . أما حين انعكست القاعدة ، وحدث الفصام بين عمل القيادتين ، تسلل الضعف إلى كيان الدولة الإسلامية ، وظل يعمل عمله فيه ، حتى انتهى بها إلى السقوط "
    وحين حصل التلاحم من جديد ، بين أهل الفكر الذين فرزتهم المدرسة الغزالية والمدرسة القادرية ، وبين أهل الحكم كعماد الدين ، ونور الدين ، وصلاح الدين – عادت إلى الأمة حيويتها وكرامتها وبلادها ، وعادت إليها القدس .
    وفي العصر الحديث نرى تلاحم رجال الفكر والسياسة في أمريكا والغرب وإسرائيل بشكل محكم رائع ، وتزايدت مراكز البحوث والدراسات المتخصصة في الشؤون السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والتربوية والصناعية والتجارية والزراعية ، وفي شؤون الأقليات العرقية والدينية ، وشؤون الأقطار التي لها مصالح فيها، وفي كل مركز مئات الباحثين المتخصصين الذين كانوا أوائل صفوفهم منذ الدراسة الابتدائية ، حتى نهاية أعلى مراتب الدراسة الجامعية .
    وجرى العكس في بلادنا العربية، فقد انتكست المؤسسات التي تخرّج وتوظّف( المفكرين والفقهاء ) الذين يحسنون اكتشاف القوانين الاجتماعية والسياسية والثقافية والاقتصادية والتربوية ، وكانت الهجرات القسرية والرضائية لهم ، مصداقاً لقول الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود t : { في آخر الزمان يكثر الخطباء ، ويقلّ الفقهاء .
    ويقول: " ما لم يتزاوج الإخلاص مع الاستراتيجية الصائبة في تعبئة القوى البشرية في الأمة ، فإن جميع الجهود والطاقات سوف تذهب هدراً ، وسوف تتحطم على مذابح الصراعات الداخلية ، وتؤول إلى الفشل والإفلاس "
    " والمحور الأساسي في هذا القانون يرتكز على أمرين :
    الأول : نظام تربوي محكوم ، يحسن تصنيف المصادر البشرية المتمثلة في الأجيال الناشئة ، وإعدادها عقديّاً ونفسيّاً ومهنياً ، يراعي فرز أولي الألباب لميادين القيادة .
    والثاني : نظام تنموي يحسن توظيف الطاقات التي تنضج تبعاً لقدراتها العقلية ، واتجاهاتها النفسية ، واستعداداتها الجسدية ، وأدائها المهني ، بعيداً عن مؤثرات العلاقات والروابط الشخصية ، ومقاييس العصبيّة والإقليمية والطبقية .
    والإطار العام لهذا التصنيف ، يتمثل في قاعدتين رئيستين :
    الأولى : اعتماد العمل الجماعي ، لأنه من أهمّ ضمانات النجاح ، وتحقيق الأهداف .
    والثانية : تجسيد هذا العمل الجماعي في أطر المؤسسات المتخصصة التي تشمل المدارس الفكرية ، والمؤسسات التطبيقية .
    " وحين تغفل الأمم عن العناية بالمدرسة الفكرية فيها ، ولا توفر الأجواء و الوسائل اللازمة لقيامها وهيمنتها وتمكينها من توجيه المؤسسات التطبيقية ، فإنّ نتائج هذه الغفلة تكون كما يلي :
    النتيجة الأولى : ضياع المؤسسات التطبيقية ، وهيامها على وجوهها ، وحلول نزوات الأفراد والعصبيات والأهواء ، والتقليد الأعمى للمؤسسات المقابلة في مجتمعات تختلف في حاجاتها وظروفها وعقائدها .
    والنتيجة الثانية : أنّ الموهوبين من أولي الألباب لا يجدون مدرسة فكرية تضمّهم ، وتهيّئ لهم أسباب التفاعل في أداء أدوارهم ، وحين يتعمق إحساسهم بالفراغ الفكري القائم ، ينتهي أمرهم إلى أحد مصيرين :
    إمّا الهجرة إلى المجتمعات الأخرى التي ينشط فيها الفكر ويزدهر.
    وإمّا اللجوء إلى طرح الأيديولوجيات العقدية ، وجمع الأتباع ، وتكوين الأحزاب والجماعات التي تقود إلى تفتيت الأمة ، تماماً كما يدب الاضطراب في الجسد ، حين يتسرب الخلل إلى أيٍّ من الدّماغ أو القلب فيه ."
    والمؤلف يقف موقفاً سلبياً من تكوين الأحزاب ، للأسباب التالية :
    أولاً : لأنها تقليد للمجتمعات الأوروبية .
    ثانياً : لأنها تمثّل روح الاستعجال في تقوية المجتمعات العربية والإسلامية أمام الأخطار الخارجية المداهمة ، أي أنها تمثّل عدم النضج في فهم قوانين التطور ، وقيام المجتمعات .
    ثالثاً : لأنها لابدّ أن تقود إلى الصراع الداخلي .
    رابعاً : لأنها تضمّ خليطاً عجيباً من المثقفين والأميين والتجار والصنّاع والعمال والطلبة والجند ، يشكّل هذا الخليط العشوائي أمماً مستقلة داخل الأمة الواحدة ، مما يؤدي إلى تمزيقها.
    خامساً : لأن الحزبية إهدار مستمر للطاقات الإنسانية في المجتمع، لأنها في توجهها للسلطة ، تجذب إليها محبّي الجاه الذين يستغلونها لأهداف شخصية ، وينتج عن هذا تضارب المصالح ، وتناقض المواقف، وحدوث انقلابات مستمرة ، إذ ينضمّ ناس ، وينفصل آخرون.
    سادساً : لأن الحزبية تؤدي إلى الجمود الفكري ، إذ يقف فكر الحزب كله حول فكر مؤسسه .
    سابعاً : لأن الحزبية تكثر من القول ، وتقلّ من العمل .. تبشّر بالقول الكثير ، وتعد بالعمل بعد الوصول إلى السلطة ، ولذلك يظلّ أفرادها يتبارون بالخطب والجدل وتدبيج المقالات ، وطرح الشعارات التي يحقنون بها الأفراد ، دون أن يهيئوا لهم هضمها أو ممارستها وتطبيقها .
    ثامناً : لأن الحزبية توجِد بذور التناقض بين أتباعها ، بسبب انعدام التجانس بين أعضائها . فالمؤسسون الأوائل والمفكرون يكون ولاؤهم للفكرة ، بينما يكون ولاء الذين يأتون من بعدهم ، للمنافع والمكاسب الاجتماعية التي توفّرها لهم قوة المجتمع ، ويكون ولاء الأدنى لغايات شخصية بحتة .
    تاسعاً : تظل الخلافات بين أصحاب المدرسة الفكرية محكومة بأخلاق التسامح والتسامي، بينما خلافات المدرسة الحزبية هابطة منفلتة لا تضبطها قيود الأخلاق ، فنرى الكبار يوجّهون الصغار لممارسة أبشع ألوان الأذى والضرر لخصومهم ، ويتبادلون الشتائم ، ويتتبعون العورات ، ويختلقون التهم والرذائل ، ويتفجر الكيد والحقد والتآمر ، حتى تتسع الهوّة بين أفراد الحزب الواحد ، وتكون الانشقاقات التي تسحق الكبار ، بتسلط الجهلة والصّغار عليهم ، يتّهمونهم ، ويجرّحونهم، بلا ضابط من خلق أو دين أو تنظيم .
    عاشراً : لأن الأحزاب قد صعّدت حدّة العداء فيما بينها تصعيداً فاق معاداة الاستعمار والصهيونية مرات ومرات ، ولذلك وجدها الاستعمار فرصة لمزيد من تقطيع الأواصر ، وتخريب منابع القوة في الأمة ، فشجعها ، وسعى في تعددها ، حتى لو كانت أو كان بعضها يتبنّى معاداة الاستعمار ، ما دام وجودها سيؤدي إلى التفريق بين الإخلاص والصواب في العمل ، كأن يحلّ الولاء للأحزاب محلّ الولاء للأمة ، ويتصدر العمل خطباء متشنّجون يعمّقون الفتنة ، ويعقّدون المشكلات ، ويمزّقون شمل الأمة ، ويوجهون الصراع إلى الداخل ، بدل أن يتصدر العمل فقهاء حكماء ، يحلّون الخلافات ، ويجمعون القوى، ويوجهونها إلى العدو المشترك في الخارج .
    قال الفضيل بن عياض : " إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يُقبل ، وإذا كان صواباً ولم يكن خالصاً لم يُقبل ، حتى يكون خالصاً صواباً .
    ويقول المؤلّف: يجب أن يكون الإصلاح قائماً على التدرج ، والتخصص ، وتوزيع الأدوار . إذا فهمنا هذا القانون ، فهمنا مشكلة العالم الإسلامي الذي يردد أغنية العجز الدائرة على ألسنة الكثيرين: " ما يطلع بأيدينا شيء " وهذا حاجز سحري شلَّ المسلم ، ومنعه من تأدية واجبه المستطاع ، وإن التخلص من هذا الحاجز ، يجعل المسلم إنساناً سوياً يمارس عمله بشكل ينمّيه . فالتدرج ، والتخصص ، وتوزيع الأدوار سوف يقضي على هذه المقولة . يقول المؤلف :
    " إن فكرة التدرّج قد حُقّرت في أذهاننا ، ودُعينا إلى القفز الذي يستحيل قفزه " ذلك لأننا لم نفقه الفرق بين الاستراتيجية البعيدة الثابتة ، وبين التكتيك المرحليّ المتغيّر . فكان من ثمار ذلك أن أصبح الفشل قاعدة في حياتنا ، وانتهى العاملون : إما إلى الارتماء في زوايا اليأس والقنوط ، وإما إلى التردّي في مهاوي التطرف والتزمّت المتشنّج .
    ويقول: إن أفكار الإصلاح والوحدة إذا لم تُترجم إلى أعمال وتطبيقات صائبة ، فسوف تعمل هذه الأفكار على زيادة تصدُّع المجتمع، وتعميق التخريب فيه ، بتسارع كتسارع الانشطارات النووية التي لا تتوقف عند حدّ ".
    وخلال الانشطارات الفكرية ، تتوالى في نفس المسلم سلسلة من أفكار الألم ، والحقد ، والكره ، والنقمة ، والثورة ، واليأس ، والقنوط ، إلى أن ينتهي إلى الأفكار التي تدعوه : إما إلى الانصراف إلى قضاياه اليومية الخاصة التي تدور حول الغذاء والكساء والمأوى ، وإما إلى الاغتراب الحضاري والجغرافي ، والهجرة إلى خارج الوطن الأم ، والانضمام إلى المجتمعات الاستعمارية ، وإما إلى الانحلال الاجتماعي، والانغماس في تيارات الجنوح والانحراف .
    " وتوالت هذه الانشطارات في المجتمعات العربية والإسلامية ، ودفعت بالفرد إلى مزيد من السلبية والانحراف ، واستمر الخطباء كأدوات مغفّلة أو واعية في هذا التدمير ، وما زالوا يثيرون القرف والاستياء في نفوس الناس ، وهم يعللونهم بروابط الدين والتاريخ المشترك والثقافة ، دون أن يفقهوا كيف تصنع وترسخ روابط الدين والتاريخ المشترك ، والثقافة المشتركة ، وهذه كلُّها روابط مصنوعة لا مطبوعة ، بمعنى أنها كيان صناعي يمكن بناؤه وهدمه ، والذين يفقهون قوانين هذا البناء والهدم ، يستعملون تطبيقاتها إيجاباً وسلباً . ففي إسرائيل ، مثلاً ، بدأت الحركة الصهيونية في مطلع هذا القرن ، تستورد مجموعاتها المهاجرة التي كان لكلٍّ منها دينها المختلف ، وتاريخها المختلف ، وثقافتها المختلة ، ثم مضت القيادة الإسرائيلية – وجُلُّها من أولي الألباب – تعيد صهر تلك المجموعات المختلفة ، وتصنع لها روابط جديدة من الدين المشترك ، والتاريخ المشترك ، والثقافة المشتركة ، والتدريبات العسكرية المشتركة ، والممارسات الديموقراطية المشتركة ، والمعارك الحربية المشتركة ، والقيادات الدينية المشتركة ، والثقافة والفنون المشتركة ، والعادات والتقاليد المشتركة ، والمؤسسات العلمية والاجتماعية والاقتصادية والصناعية المشتركة ، والحريات المشتركة ، وتقديس الإنسان الإسرائيلي ، وتبديل جثته إذا مات في المعركة بمئة عربي حيّ .. وهكذا .. نشأت أجيال لها تاريخ مشترك ، ودين مشترك ، وثقافة مشتركة ، يحبّون الموت ، كما يحبّ العرب الحياة .
    أما في العالم العربي الذي كان يقوده في الفترة نفسها ، متوسطو الذكاء فقد بدأ تفكيك روابط الدين المشترك ، والتاريخ المشترك ، والثقافة المشتركة . وكان من نتيجة ذلك ، أن أصبح للعرب والمسلمين نوعان من التاريخ : تاريخ مشترك ، اشترك به الأسلاف ، وتاريخ معاصر مختلف ، يختلف فيه كل إقليم من أقاليم الدول القائمة عن غيره، فلم يعد للعرب والمسلمين منذ بداية هذا القرن شيء اسمه التاريخ العربي أو الإسلامي المشترك ، وإنما هناك تاريخ مصري ، وتاريخ سوري ، وتاريخ عراقي ، وتاريخ كويتي ، وتاريخ قطري ، وتاريخ يمني ، وهلمّ جراً .
    ويؤكّد المؤلف أهمية مراعاة قوانين الأمن الجغرافي، فيقول :
    " وحين نطبق هذا القانون على العالم العربي والإسلامي ، نجد أن المنطقة الحساسة في مناطق الثغور والرباط ، كانت دائماً هي بلاد الشام. وحين نزلت الرسالة الإسلامية ، جعلت البيت الحرام ( حاضرة ) الهداية ، والمسجد الأقصى ( ثغر الرباط ) واشترطت في الجماعة التي تقيم في هذا الثغر مواصفات إيمانية معينة ، فإن انحرفت الجماعة عن تلك المواصفات ، بعث الله عليها عباداً له أولي بأس شديد ، يدمّرون أعراض الدنيا التي ألْهتها عن رسالتها تدميراً .
    والرسول e وجه لذلك ، حين قرر في أحاديث كثيرة ، أن بلاد الشام ( رباط ) المجاهدين ، وأن أهل الشام في جهاد دائم إلى قيام الساعة .
    ولهذا رأينا جيوش الفتح الإسلامي حين خرجت من الجزيرة العربية ، كانت بلاد الشام هي القاعدة التي استقرت فيها القيادة الإسلامية . ومن هذه القاعدة ، تسلمت الرايةَ جيوشُ الفتح الإسلامي التي انطلقت نحو الغرب ، ونحو الشرق ، حتى وصلت إلى إسبانيا ، وشرق آسيا ، وحاصرت القسطنطينية .
    ثم إن بلاد الشام حين كانت مفككة مضطربة النظام قبيل الهجمات الصليبية وخلالها، لم تفد جميع المحاولات في وقف الغزو من خارج ، وامتدت آثار هذا الضعف ونتائجه إلى عمق العالم الإسلامي عامة . أما حين أعيد توحيد بل
    الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
     
    هكذا ظهر جيل صلاح الدين
    الرجوع الى أعلى الصفحة 
    صفحة 1 من اصل 1
     مواضيع مماثلة
    -
    » الفوائد المستفادة من شرح ثلاثة الاصول(الرب .النبي.الدين)

    صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
    منتدى حفظة القرآن الكريم :: منتدى الأدبيات :: منتدى التاريخ والحضارات-
    انتقل الى: