"
هذا ما اخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبى طالب عندما أعطاه الراية يوم خيبر ، فقال على : علام أقاتل الناس ، نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا ؟ فقال : " على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام ، واخبرهم بما يجب عليهم ، فوالله لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حُمُر النعم " أخرجه البخاري فتح الباري 6/111
وذل لأن هدى الله هو الهدى ، وانه ليس بعد الهدى إلا الضلال ، وعندما يوفق الله تعالى داعية من دعاة الإسلام فيهيئ له من يقبل دعوته فإن نتائج هذا القبول عظيمة جليلة نذكر منها
إن في ذلك استنقاذاً لهذا المهتدى من النار ، وصيانة له من سعيرها ولظاها ، وما صُرف عنه من النار إنما كان بعد فضل الله بجهد الداعية وعنايته ، واستبدال مقام ٍ خالدٍ في النار بمقامٍ خالدٍ في الجنة أمر لايدانيه شيء من أصناف المعروف ، ولاتصل إليه رتبة من رتب الإحسان والجود ، فالداعية يقدم الجنة هدية للناس من حوله ويدلهم على مقامات السعادة، وأي أجر يكتب للداعية عند ربه إلا الأجر الذي يليق بجلال المعطي سبحانه ويتناسب مع قدر العطية . إن كل حركة وسكنة تحركها المهتدي ، وكل تسبيحة أو تكبيرة ينطقها ، وكل ركعة وسجدة يفعلها ، وكل إحسان يجريه الله على يديه ، فإنما كان الداعية سبب مل ذلك وطريقه الدال عليه ، وإن له مثل أجر فاعله لقول النبي صلى الله عليه وسلم " الدال على الخير كفاعله " أخرجه مسلم ، ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضا " من سن في الإسلام سنّة حسنة كان ه أجرها وأجر من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيء "
وهذا باب من الجر لا يُغلق ، وهو يتنامى يوما بعد يوم ، وإن جُهْد أبي بكر الصديق ، وبلال ، وعمار ، وخديجة ، وأسماء ، وغيرهم وغيرهن ، إنما هو أساس في إقبال كل إنسان على الله تعالى إلى قيام الساعة ، وإن جهد المصطفى صلى الله عليه وسلم هو مبدأ كل جهد طيب بذله مسلم أو يبذله ، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم - بعد الله تعالى - منَّة وأي مِنّة في عنق كل مسلم .
إن من يهتدي على يد الداعية يكون عونا للداعية على أداء رسالته ، ويضم جهده إلى جهد الداعية ، وهكذا فإن الدعوة لا تتكاثر إلا عن طريق الدعوة ، ولا تتقوى إلا بالعناصر الجديدة الرافدة ، وما تغير حال المسلمين من السر الى العلن إلا يوم أن دخل عمر وحمزة في دين الله ، وما تغير حالهم من الجماعة إلى المجتمع إلا يوم أن دخل الأنصار في دين الله تعالى .
وإن الهداية أسلوب من أساليب النصر المادي ، ولكنه لا يتحقق لا في معركة ذات جرح وقرح ولا عن طريق السيف والسهم وانما عن طريق " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن "
وإن من يهديه الله على يديك أيها الداعية إنما هو كَلَبِنَة فكَّت من بناء الجاهلية ووضعت في بناء الإسلام ، وسيكون هذا عللا حساب الكفرة الضلال ، وهو خسارة للشيطان وأعوانه ، وكسب للرحمن وأنصاره ، وفي كل مرة يهتدي فيها من يهتدي فإنما يسقط ركن من الأركان ، وهكذا كان أمر الجاهلية في مكة ، ففي كل صباح لهم حديث ، الكفار يتكلمون عن الصابئين المفارقين الخارجين ، والمسلمون يفرحون بالداخلين المؤمنين ، وكأني ببناء الكفر يتصدع كل يوم ويفقد من بنائه ما يفتح ثغرة بعد ثغرة فيه.